أصبح من الواضح للجميع أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتأثر بشكل كبير بارتفاع معدلات الأمية حيث كشفت الدراسات أن نسبة الأمية لا تزال مرتفعة مما يؤدي إلى العديد من التحديات التي تواجه المجتمعات لذلك برز الاتجاه العالمي نحو تبنّي مبدأ “العلم نور وحق للجميع” وانطلقت الجهود لمحو الأمية وتمكين الكبار من التعلم وذلك بهدف تعزيز الوعي بين الأفراد ليكون لديهم المعرفة التي تمكنهم من تحسين حياتهم وتم تطوير برامج متعددة تهدف إلى تسهيل عملية التعلم وجعلها أكثر كفاءة وانتشارًا.
مقدمة حول أهمية محو الأمية
تُعَدّ قضية محو الأمية من القضايا الحيوية التي تُساهم في تمكين الأفراد من تطوير مهاراتهم في القراءة والكتابة وتعزيز قدرتهم على التعبير والتفاعل مع المجتمع سواء من خلال النصوص المكتوبة أو المحادثات الشفوية كما أن لها دورًا أساسيًا في تنمية الفهم اللغوي لدى الأفراد.
- لا يقتصر الأمر على مجرد تعلم القراءة والكتابة بل يمتد ليشمل مفاهيم أعمق تُتيح للباحثين والمفكرين تحليل وتطوير نظريات تتعلق بالتطور الحضاري إلى جانب جوانب أيديولوجية تُسهم في تشكيل الوعي الثقافي والمجتمعي.
- أثبتت الدراسات والبحوث أن هذه الظاهرة تتضمن مجموعة واسعة من الأنشطة والبرامج التي تهدف إلى محو الأمية وتعليم البالغين الذين لم تتح لهم الفرصة للحصول على التعليم في مراحل عمرية مُبكرة.
دور محو الأمية وتعليم الكبار في مصر
واجهت مصر تحديًا كبيرًا تمثل في ارتفاع معدلات الأمية مما دفع الجهات المعنية إلى دراسة المشكلة بشكل دقيق والعمل على وضع استراتيجيات فاعلة لمعالجتها إلى أن أصدر الرئيس محمد حسني مبارك مجموعة من القرارات التي أكدت على ضرورة التركيز على محو الأمية وتعليم الكبار خلال الفترات القادمة ومن هنا تم إنشاء مجالس تنفيذية في جميع المحافظات لتتولى مسؤولية الإشراف على تنفيذ الخطط المعتمدة والتي شملت المجالات التالية:
- إعداد برامج تنفيذية فعالة تتماشى مع الأهداف المحددة من الهيئة لضمان تحقيقها بكفاءة مع تعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية.
- تصميم خطط تفصيلية تتوافق مع القرارات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة لضمان تنفيذها وفق الأطر المحددة.
- تنظيم حملات إعلامية متكاملة تهدف إلى توعية المجتمع بمخاطر الأمية وأثرها السلبي على التنمية لتشجيع الأفراد على الالتحاق ببرامج التعليم.
- تحديد أولويات التنفيذ بطريقة تتيح معالجة القضايا الملحة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
- وضع آليات تشجع مختلف القطاعات الحكومية والخاصة على المشاركة الفعالة في جهود محو الأمية لدعم المبادرات الوطنية.
- استحداث منظومة متابعة دقيقة تسهم في الكشف عن أي معوقات قد تعترض مسار التنفيذ والعمل على إيجاد حلول سريعة وفعالة لها.
- توزيع الموارد المالية بشكل منظم يضمن تحقيق أقصى استفادة من الميزانية المخصصة وتوجيهها نحو المبادرات الأكثر فاعلية.
أثر محو الأمية وتعليم الكبار على المجتمع
منذ الصغر والجميع يدرك أن العلم هو النور الذي يضيء الطريق ولذلك فإن لمحو الأمية وتعليم الكبار تأثيرًا جوهريًا على المجتمع حيث تعود آثاره بفوائد عديدة منها:
- تعزيز الوعي بين الأفراد والحد من المخاطر الناتجة عن الجهل والتي قد تؤثر على حياتهم وتعاملاتهم اليومية.
- تمكين الأفراد من قراءة المستندات والمعلومات التي تعرض عليهم مما يسهم في حمايتهم من عمليات النصب والاحتيال.
- المساهمة في تطوير قدرات أبناء المجتمع مما يعزز من إمكانياتهم في مواجهة المخاطر التي قد تهدد أمنهم أو استقرار وطنهم.
- تمكين المستفيدين من برامج محو الأمية من قراءة القرآن الكريم وفهم السنة النبوية مما يساعدهم على التمسك بتعاليم دينهم بأسلوب صحيح.
- إحداث تغيير جوهري في حياة الإنسان وجعلها أكثر وعيًا وتقدمًا حيث لا تقتصر فوائده على جوانب محددة بل تشمل مختلف مجالات الحياة.
جهود محو الأمية وتعليم الكبار
يُعدّ محو الأُميّة وتعليم الكِبار من القضايا التي تترابط بشكل وثيق مع حقوق الإنسان حيث يُشكّل ركيزةً أساسيةً يجب أن تحظى بالعناية والبحث فهو ليس مُجرد خيار يُمكن تجاهله بل يُعدّ حقًا أصيلًا لكل فرد بغض النظر عن سِنّه أو وضعه الاجتماعي لذا يُمكن توضيح مدى أهمية هذه القضية من خلال النقاط التالية:
- محو الأُميّة لا يقتصر على كونه مهارةً يكتسبها الفرد بل هو حقٌّ مشروع يمكّن الإنسان من فتح آفاق جديدة داخل المجتمع مما يُساهم في تعزيز فُرصه على كلٍ من المستوى الشَّخصي والمهني.
- له تأثير ملحوظ في تحسين مستوى المعيشة حيث يُتيح للفرد فُرصة تحسين أوضاعه الاجتماعية والصحية مما ينعكس إيجابيًّا على جودة الحياة بوجه عام.
- القضاء على الأُمية لا يُعدّ مسألة فردية فحسب بل هو قضية ترتبط بشكل مباشر بحقوق الإنسان حيث تمنع الأُمية الفرد من الوصول إلى المعلومات والمعرفة التي يحتاج إليها والتي قد تُغيّر مجرى حياته وتمنحه فُرصًا أفضل في المستقبل.
- التعليم يُساعد بشكل كبير في رفع مستوى الوعي سواءً على الصعيد الاجتماعي أو السياسي إذ إن الجهل يُقيّد المجتمعات مما يُؤدّي إلى تأخّرها عن ركب التطوّر لذلك فإن بناء مُجتمع متقدّم مرتبط إلى حدٍّ كبير بمحو الأُميّة وتوسيع دائرة التعلّم.
- من الضَّروري السَّعي نحو تطوير استراتيجيات مبتكرة واقتراح طُرق حديثة لبرامج محو الأُميّة خاصّة أن الأساليب التقليدية قد لا تكون ذات فاعلية كافية في الوصول إلى جميع الفئات المستهدفة.
القضاء على الأُميّة ليس مجرد إنجاز تعليمي بل هو خُطوة أساسيّة تؤثّر في مختلف جوانب الحياة فالتعليم في العصر الحالي يُعتبر أحد العناصر الجوهرية التي تُساهم في نُهوض أي مجتمع ومن هذا المُنطلق ينبغي على الجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان في كافة الدُّول أن تُعطي هذه القضية الأَهميّة التي تستحقّها لأن إنهاء الأُميّة لا يُؤدّي فقط إلى بناء مجتمع مُدركٍ وواعٍ بل يُساعد أيضًا في خلق بيئة قائمة على المعرفة تُتيح للأفراد تحقيق طموحاتهم وتغيير حياتهم نحو الأفضل.
الارتباط بين محو الأمية وحقوق الإنسان
يُشكّل محو الأمية حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وهو المدخل الرئيسي نحو تطوير المهارات وتعزيزها، بالإضافة إلى مساهمته في تحقيق التنمية البشرية بمختلف جوانبها، مما يجعله الركيزة الأساسية لاكتساب التعليم والتقدم في شتى المجالات، كما أن له تأثير واضح في العديد من القضايا الهامة:
- يُساهم بشكل كبير في القضاء على الفقر بجميع أشكاله داخل المجتمعات.
- يلعب دورًا محوريًا في تقليل معدلات وفيات الرضع حديثي الولادة.
- يُساعد في الحد من النمو السكاني السريع وتقليل معدلات الزيادة السكانية.
- يدعم تحقيق المساواة بين الجنسين ويُسهم في تقليص الفجوات والتمييز بينهم.
- يُعزز التنمية المستدامة ويقوي روابط التضامن والتكافل داخل المجتمع.
العوامل المؤدية إلى تفشي الأمية
عند الحديث عن مشكلة الأمية يتضح أن 17% من سكان العالم لم يحصلوا على تعليم كما أن نسبة النساء الأميات تتجاوز نسبة الرجال حيث تُشكِّل النساء ما يُقارب 60% من إجمالي الأميين بالإضافة إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الأطفال الذين لا يتمكنون من الالتحاق بالمدارس مُنذ البداية ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها:
- ضعف مستوى التعليم لدى الوالدين مما يجعلهم غير مُدركين لأهمية التعليم في حياة أبنائهم وبالتالي لا يُعيرون اهتمامًا كافيًا لتعليمهم نظرًا لأنهم لم يُتح لهم الحصول على مستوى تعليمي مناسب.
- بعض الأفراد يُواجهون تحديات تُعيق استمرارهم في التعليم كالصعوبات التي تؤثر على القدرة على القراءة مما يُشكل عائقًا في رحلتهم التعليمية.
- الوضع المعيشي والاقتصادي لبعض الأسر لا يسمح لهم بإلحاق أطفالهم بالمدارس إذ يُمثِّل الجانب المادي عائقًا كبيرًا أمام تعليم الأبناء مما يؤدي إلى حرمانهم من فرص التعلم.
- هناك دول لا تفرض قوانين تُلزِم الأسر بتسجيل أطفالهم في المدارس مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة الأمية حيث يحرم ذلك العديد من الأفراد من فرصة التعليم.
- في الدول النامية يُعتَبَر غياب العدالة الاجتماعية من العوامل الرئيسية التي تُساهم في تفشي الأمية حيث تتسع الفجوات التعليمية خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى فرص التعليم المناسبة.
- بعض العادات والتقاليد تُشكل حاجزًا أمام الكثيرين لا سيما النساء وتُقيِّد حصولهم على التعليم مما يُؤدّي إلى انتشار الأمية بين فئات معينة من المجتمع.
- عدد من الأُسَر لا تُعطي أهمية لاستمرار التعليم بعد المرحلة الابتدائية حيث يتم الاكتفاء بهذا الحد من التعلم مما يحد من فرص اكتساب معرفة أوسع ويُقلل من إمكانيات الأفراد في المستقبل.
تأثير الأمية على استقرار المجتمع
كل مشكلة اجتماعية تترك آثارًا سلبية وتنعكس بشكل كبير على استقرار المجتمع وتعتبر الأمية من أخطر المشكلات التي تؤدي إلى نقص الوعي في مختلف مجالات الحياة وإذا لم يتم التعامل معها بطرق فعالة فقد تؤدي إلى أضرار واسعة النطاق تمس بنية المجتمع ومستقبله مما يجعل من الضروري نشر الوعي حول مخاطرها وإيجاد الحلول المناسبة للحد منها ومن أبرز العوامل التي تجعلها تهديدًا واضحًا لاستقرار المجتمع:
- تؤثر بشكل مباشر على قدرة الأفراد على اكتساب مهارات القراءة والكتابة التي تعد من أساسيات الحياة اليومية والتي تساعدهم في إدارة شؤونهم بكفاءة والتفاعل مع مختلف المواقف.
- القضاء على الأمية وتعزيز التعليم يؤدي إلى نهضة المجتمع في مختلف القطاعات مثل الزراعة والصناعة والاقتصاد مما يرفع مستوى المعيشة ويحسن جودة الحياة.
- تشكل الأمية عائقًا أمام تحقيق التقدم وتساهم في خلق فجوة واضحة بين الدول النامية والدول المتقدمة مما يجعل من الصعب تحقيق تنمية مستدامة.
- تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجرائم وانتشار الفساد نظراً لأن الجهل يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز السلوكيات الخاطئة ويدفع الأفراد إلى ارتكاب تصرفات غير قانونية نتيجة لغياب الوعي والمعرفة.
رؤية الإسلام تجاه قضية الأمية
الإسلام لم يُهمل أي جانب من جوانب حياة الإنسان بل تناول كل ما يتعلق بها في كتاب الله وسنة نبيه وقد أكد على أهمية العلم وضرورة التعلم إذ كانت أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي اقرأ وهذا يُعبر بوضوح عن موقف الإسلام الراسخ تجاه قضية الأمية وهو أمر يجب على الجميع أن يكونوا على دراية به:
- الإسلام يُحارب الأمية بشكل واضح وخاصة في المجتمعات الإسلامية لأن الجهل يؤدي إلى الوقوع في المحظورات دون إدراك ذلك مما يجعل الإنسان غير مميز لما هو حرام وما هو حلال.
- الله سبحانه وتعالى بدأ الوحي بكلمة (اقرأ) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب العلم رغم أنه لم يكن يقرأ أو يكتب كما أمره بنقل هذا العلم إلى أمته لأن المعرفة هي الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات.
- في سورة القلم أقسم الله تعالى بقوله (ن والقلم وما يسطرون) مما يدل على عظمة القلم والكتابة كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية تدوين العلم في قوله (قيدوا العلم بالكتاب) وذلك لإثبات المعرفة وضمان استمرارها.
آليات معالجة مشكلة الأمية
عند الحديث عن معالجة مشكلة الأمية تظهر العديد من الحلول التي يجب التركيز عليها لضمان نشر التعليم والثقافة والتخلص من الجهل ومن بين هذه الحلول ما يلي:
دور الدولة في مكافحة الأمية
- يتوجب على الجهات المعنية العمل على تنفيذ برامج توعوية تستهدف مختلف فئات المجتمع خصوصًا الفئات الأكبر سنًا مع توفير الدعم والتشجيع اللازم لهم للالتحاق ببرامج محو الأمية.
- إحدى الآليات التي يمكن اعتمادها تتمثل في توفير بعض فرص العمل التي لا تتطلب مؤهلات أكاديمية عالية ولكن يجب أن تتطلب الحد الأدنى من القدرة على القراءة والكتابة مما يحفز الأفراد على التعلم لاكتساب تلك المهارات.
- من الضروري أن يتم تجهيز فصول دراسية متخصصة تعمل تحت إشراف معلمين مؤهلين مما يضمن تقديم المعلومات بطريقة مبسطة تساعد المتعلمين على الفهم بسهولة.
إسهامات منظمة اليونسكو في محو الأمية
تبذل منظمة اليونسكو جهدًا كبيرًا في التوعية وتوفير الفرص التعليمية على نطاق عالمي ويكمن هدفها الأساسي في تمكين الأفراد من امتلاك مهارات القراءة والكتابة إلى جانب المعرفة الأساسية التي تجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع متطلبات حياتهم اليومية ومن أبرز أساليب المنظمة لتحقيق هذا الهدف:
- إعطاء الأولوية لتعليم الأطفال منذ سن مبكرة حيث أن هذه المرحلة العمرية تُعد الأنسب لغرس المفاهيم التعليمية وترسيخ المعرفة بطريقة تُسهم في تعزيز مهاراتهم بشكل فعال.
- العمل على تطوير مناهج تعليمية تتناسب مع الفئات العمرية المستهدفة بحيث تكون هذه المناهج واضحة وسلسة وعرضها بأسلوب يجذب المتعلمين ويجعل عملية الفهم أكثر سهولة.
- تعزيز برامج التعليم المستمر لا سيما في المجالات المهنية مع الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة كما يتم توفير أنشطة تعليمية موجهة لكبار السن مع الحرص على إيجاد بيئة تعليمية محفزة تسمح لهم بالاستفادة من المحتوى المقدم.
تُعد مشكلة الأمية من التحديات التي تهدد المجتمعات نظرًا لتأثيرها السلبي في مجالات عدة حيث أنها تعيق تقدم الأفراد وتؤدي إلى انتشار أنماط من التفكير غير المستندة إلى المعرفة الصحيحة وقد أظهرت التجارب السابقة أن التغلب على هذه الظاهرة يتطلب وضع استراتيجيات فعالة تقوم على توفير التعليم للكبار والصغار على حد سواء وهو ما نجحت في تحقيقه العديد من الدول التي قامت بتطبيق برامج تعليمية متكاملة ساهمت في تقليل معدلات الأمية ونشر الثقافة والتعليم بين الأفراد.