اللّهمَ استُرنا فَوق الأَرض وتَحت الأَرض ويَوم العَرض عَليك. يُعَدّ هذا الدُعاء مِن أَعظَم الأَدعية الّتي يُردّدها العِباد لأنَّ السِتر نِعمة جَليلة يَمنحها الله لِعبادِه في الحَياة الدُنيا ويَوم القِيامة، إذ يَكون اليَوم الذي تَنكشف فيه الأَعمال ويَظهر فِيه كُلّ شَيء مِما قَدّم الإِنسان مِن خَيرٍ أو شَرّ، فالمَعاصي والذُنوب لَن تَبقى مَخفية، والحِساب يَكون علَنيًا بَين العِباد.
لِذلك كان مِن الأُمور الهَامة أَنْ يَحرِص المُسلِم عَلى القُرب مِن الله ويَدعوه دائِمًا أَنْ يَسترَه في الدُنيا والآخرة، إذ يَمتدّ فَضل السِتر ليَشمل كُلّ نَواحي الحَياة، مِن أَسرار الشَخص وحياتِه الخاصّة إلى تَعاملاته مَع الآخرين حَتى الوَقف بَين يَدي الله يَوم الحِساب. فَمن أَعظَم النِعم أَنْ يَمنح الله العَبد سِتره في كُل الأحوال، لِذا جَب أن يَكون الدُعاء بالسِتر حاضِرًا فِي الأَذكارِ اليَومية.
تفسير دعاء اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
يُعد الدعاء بطلب الستر من أكثر الأدعية التي يُرددها المسلمون في مختلف الأوقات والمناسبات ودعاء “اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك” يحمل معاني عظيمة تتعلق بطلب الستر في كل مراحل حياة الإنسان فقول “اللهم استرنا فوق الأرض” هو دعاء للستر في الحياة الدنيا والمقصود به أن يغفر الله الذنوب ويستر العيوب دون أن يُفضح المسلم بين الناس فالستر من النعم العظيمة التي يرزقها الله لعباده ليمنحهم فرصة للتوبة والرجوع إليه كما أن الإسلام حثّ المسلمين على ستر بعضهم وعدم إفشاء العيوب وهذا ما يستدل به من الحديث الشريف “… ومن ستر مسلمًا سترهُ اللهُ يومَ القيامةِ” الذي رواه عبد الله بن عمر.
أما الجزء الذي يقول “اللهم استرنا تحت الأرض” فيعني طلب الستر عند دخول القبر لأن القبر هو أول منازل الآخرة فمن نال الستر فيه فقد منّ الله عليه بنعمة عظيمة ولذلك نجد أن الدعاء بالنجاة من عذاب القبر مستحب بل إن بعض العلماء يعتبرونه من الأدعية الواجبة للمسلم واستدلوا على ذلك بحديث النبي ﷺ: “إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ” الذي رواه أبو هريرة.
- وهذا الحديث الشريف دليل على أن عذاب القبر أمرٌ واقع وعلى المسلم أن يكثر من الدعاء بالنجاة منه فالأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته الدنيا هي التي تحدد ما سيكون عليه حاله بعد الموت.
أما طلب الستر في قوله “ويوم العرض عليك” فهو الدعاء بأن يستر الله عبده يوم الحساب حيث تُكشف الأعمال ويقف الناس للمساءلة أمام الله وهنا يكون الدعاء بأن لا يُفضح العبد أمام الخلائق فالله تعالى وعد عباده التائبين بسترهم في الدنيا والآخرة كما أن من يستر غيره في الدنيا يناله جزاء الستر يوم القيامة فالدعاء بهذا يشمل التضرع لنيل إحدى أعظم النعم التي يمنّ الله بها على عباده فوجب على كل مسلم أن يسعى إلى هذه النعمة العظيمة.
الرأي الشرعي في الدعاء بالستر
يعتمد الحكم الشرعي في الدعاء بالستر على نية الداعي فإن كان يدعو وهو مستهزئ أو مصرٌّ على المعصية، فذلك غير جائز أما إذا كان يدعو بالستر وهو نادم على ذنبه وعازم على التوبة، فهذا أمر مشروع تؤيده نصوص الشريعة ومن أبرز الأدلة على ذلك:
- حديث الرسول ﷺ الذي رواه يعلى بن أمية: إنَّ اللَّهَ حييٌّ سِتِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ وهو دليل على أن الله سبحانه وتعالى يحب الستر لعباده.
- هدي النبي ﷺ في معالجة الأخطاء إذ لم يكن يذكر أسماء المخطئين صراحة بل كان يشير إليهم بعبارات عامة كما جاء في قول عائشة رضي الله عنها: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا بلَغَه عنِ الرَّجلِ الشيءُ لم يَقُلْ: ما بالُ فُلانٍ يَقولُ: كذا وكذا، ولكن يَقولُ: ما بالُ أقوامٍ يَقولونَ: كذا، وكذا وهذا يدل على حرصه ﷺ على الستر وعدم التشهير بالمخطئين.
- ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي ﷺ الذي كان يحث المسلمين على ستر العيوب وعدم فضح الآخرين، كما ورد عنه ﷺ: من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه الله بها في بيته وهو نص صريح في فضل الستر وخطورة كشف العيوب.
وقد أشار العلماء إلى أهمية الستر وبيّنوا فضله ودوره في حفظ المجتمع من التشهير والإساءة ومن أبرز أقوالهم في ذلك:
- المنذري: ستر المسلم يشمل إخفاء زلاته وصيانة كرامته.
- ابن القيم: هُو الْحَييُ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالْعِصْيَانِ لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيهِ سِتْرَهُ فَهُو السَّتِير وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ.
- ابن عثيمين: الستر قد يكون واجبًا وقد يكون محرمًا بحسب الحال.
أدعية الستر المستجابة
هناك اعتقاد شائع بأن أدعية الستر تقتصر على الدعاء المعروف “اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض” ولكن في الواقع توجد العديد من الأدعية التي يمكن للمؤمن التوجه بها إلى الله طلبًا للستر والحفظ من كل سوء ومن أعظم هذه الأدعية:
- اللهم إني أسألك ألا تجعل لأعدائي أو الحاسدين فرحة بشأني وأسألك أن ترزقني توبة نصوحًا خالصة لا رجوع بعدها فأنت القادر على كل شيء.
- إلهي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين أسألك أن تغفر لي وترحمني وتستر ذنوبي وتفيض علي من رحماتك التي وسعت كل شيء.
- اللهم إنك مذخور بذكر عبادك المخلصين وأنت من تلجأ إليه القلوب عند الخوف والضيق وأنت القادر على كل شيء أسألك أن تحفظني من كل سوء وتستر عيوبي وتؤمن مخاوفي وتعينني على البعد عن الذنوب.
- اللهم إني أسألك أن تنزع حب الآثام من قلبي وأن ترزقني توبة نصوحًا لا يفسدها رجوع وأسألك أن تردني إليك ردًا جميلًا.
- يا الله اجعلني في حصنك المنيع وفي عنايتك التي لا تزول واحفظ علي سترك الذي لا ينكشف وارزقني الستر في الدنيا والآخرة.
- يا رب أعوذ بك من كل مصيبة قد تهزني ومن كل شدة قد تضعفني وأسألك أن تحميني من صدمات الحياة وأن تصرف عني البلاء وسوء العاقبة.
- يا الله أستغفرك من كل ذنب سلف وأسألك أن تغسل بالاستغفار زلاتي وأن تغمرني بفضلك الذي لا يعد ولا يحصى وتبعد عني الذنوب والمعاصي وتجملني بسترك.
- اللهم أسألك أن تفرج عني كل هم ضاق به صدري وكل غم كتم أنفاسي وأنت وحدك العليم بحالي وأسألك أن تصرف عني فتنة القبر وعذاب النار.
- اللهم يا ميسر العسير ويا كاشف الهم الكبير أسألك أن تنير لي دروبي برحمتك وتحفظني بسترك وتحفني برضاك الدائم.
- اللهم يا من وعد لعباده بالإجابة إذا دعوه أسألك ألا تحرمني عفوك وأن تسترني بكرمك وأن تعفو عني وترزقني توبة نصوحًا لا أعود بعدها إلى الذنب.
- يا من إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون أسألك أن تمنحني العفو والعافية وتحفظني في ديني ودنياي وتستر علي كل عيوبي وتبعدني عن كل خطيئة.
- يا حنان يا منان برحمتك أتوسل إليك وأسألك أن تصلح لي شأني كله وأن تسترني وتحفظني من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن تثبت قلبي على طاعتك.
- اللهم نسألك أن تغمرنا بسترك الذي لا ينكشف وأن تحفظ لنا ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا وأن تحيطنا بحفظك من كل جانب.
